jeudi 26 avril 2007

صدر عن منشورات أزمنة كتاب جديد للكاتب المغربي سعيد بوكرامي


عن أسطورة ميلر: الصعلوك المشرد يصبح نجماً .. بقلم : جميلة عمايرة
لم لا نلتقي؟ يقترح هنري ميلر في واحدة من رسائله على بسكال فريبوس.كان هذا في شهر حزيران من العام 79 19. مروري - يقول المحاور - صادف انتهاء الشتاء، وبداية فصل الربيع. وهذا له دلالة رمزية عن العبور من اسطورة ميلر الى ميلر بلحمه ودمه وروحه. يقول بسكال فريبوس مضيفا: كانت بالنسبة لي رجة عنيفة وانا في العشرين من العمر. هذه الرحلة في اقاصي التفسخ، هذه اللغة الفجة والمتوهجة التي تنسحق الى حدود الرغبة. ماذا يتبقى للكاتب وهو عجوز يبلغ من العمر الرابعة والثمانين؟ هل ثمة حدود واضحة بين الكاتب والكتاب؟ كيف ينظر للعالم ويراه بعين واحدة (عينه الاخرى مصابة)؟ بماذا يحلم؟ ما الذي ينتظره، وكيف يرى الى موته القريب!؟ ما رأيه بنجاحه، وبالكتابة نفسها؟ هل يقتات على ذاكرته، اي ذكرياته البعيدة تلك التي تعيده لطفولته الشقية والبائسة التي وسمته طويلا؟ ماذا يقول عن المجد، اذا كان هناك ثمة مجد يطمح اليه الكاتب؟ ماذا يقول عن الاصدقاء، والساسة، والحياة نفسها؟ وهل ما تزال لديه الرغبة في الحياة؟ يعلق هنري ميلر على بابه لوحة مكتوب عليها: عندما يكبر شخص، ويكون قد ادى واجبه على هذه الارض، له الحق في ان يستعد للموت يسلام، فهو ليس بحاجة لرؤية الناس. لقد رأى منهم ما يكفيه وعرف منهم ما يكفيه، فلا فائدة من الذهاب لرؤيته وازعاجه بالثرثرة والسخافات، يجب ان نمر بجانب بيته وكأن لا احد بداخله.ومع هذا كله، اقتحم منزله بسكال فريبوس وخرج منه بكتاب (في ضيافة هنري ميلر، ترجمة: سعيد بوكرامي، دار أزمنة للنشر والتوزيع، 2006).أنت صنعت اسطورتك؟، سأله بسكال. أنا ضحية اسطورتي ذاتها، والضحية البريء.. كتبي ايضا. لم اكتبها لكي اصير اسطورة فقط، ولكن لكي ابعث من داخلها. الاسطورة بحد ذاتها هي الانهاك المستمر بسبب هذه الرسائل من القراء والمعجبين، وهذه الطلبات المتنوعة.- هل كنت تفضل لو بقيت مغمورا؟-لا ادري. لكن النجاح احيانا افظع من الفشل.- كيف تفسر هذا النجاح العالمي؟ - لقد انتظرت ان ابلغ الستين لكي اتمكن من العيش من كتبي. جياتي كانت متلاطمة بين الاعلى والاسفل. والاغلب في الاسفل. الحرب هي التي أنقذت كتبي (يقصد الحرب العالمية الثانية). وحينما يسأله بسكال مستنكرا، عدم مشاركته في الحرب، يجيب ميلر: في تلك المرحلة كان الدم يتدفق والشيطان يسفكها، وفي الوقت نفسه كان الجنود يقرأون مدار السرطان وهي تحت معاطفهم، وبعد انتهاء الحرب، جاء الجنود الاميركيون الى باريس ليقتنو كتبي. من دون هذه الحرب ربما لم يكن بإمكاني الوصول الى النجاح.عن المعاناة كنت اسير في شوارع مدينة نيويورك ابحث عن بعض السنتات، عن كسرة خبز، او عمل او عن ركن حيث أهوي بجسدي المنهك. لقد قطعت آلاف الاميال ببطن فارغ مثل متسول، في نيويورك اعرف المطاعم كلها، ليس لأني اكلت بها، بل لأنني تفرست بوجوه الزبائن الآخذين بملء بطونهم. احيانا كنت افكر انني خلقت جائعا. ولدت في الشارع، كأحد ابناء الشوارع، ولديّ إحساس اني ما أزال هناك. الشارع هو الحرية في القاءات والتصرفات. انه الحلم. تعلمت الحياة في الشارع. الآن ربما يعتقد اصدقائي الصعاليك في بروكلين، بعدما اصبحت معروفا، ان هنري ميلر الكاتب شخص آخر غيري.عن طفولته البائسة لقد كرهت امي كثيرا، يقول ميلر. وكتب: ولدت في مستنقع قيء. كان الافضل ان تنزلق امي على الدرج صباح 25 ديسمبر (تاريخ ولادته) ليتهشم عنقها، كنت عندها سأرحل بلا رجعة. يعترف ميلر انه لم يعرف ابدا حب الأمومة ولا حنانه. وكان يقترف كل الافعال التي كانت امه تزدريها! والتي دفعتها حتى نهاية عمرها ان لا تؤمن به ابدا، لا به كإنسان او كاتب. ولم تقرأ سطرا واحدا له. كان يتخيل امه تسممه حين كان طفلا. بل اكثر من هذا: ارضعته الاذى الذي بقي دائما في عروقه. وفي كتبه يصف امه مثل وباء بارد. عديمة العاطفة متزمته، ومستبدة ومستاءة على الدوام.لكنني اراها على الدوام - يضيف - تستقبلني هناك بحرارة. هذا هو حوارنا الوحيد. وحده الادب يمكننا من عقد مصالحة بين الاحياء والاموات.عن الفقر والأحلام أعيش نوباتي في الاحلام، يقول ميلر.. دائما احلم. انظر في المراة، وفي لحظة لا اعود انا. ارى شخصا آخر ينظر الي. فأفقد صورتي وهويتي..مساري كان اكثر صعوبة. ابي وامي كانا شديدي التزمت واحشمة. عشت في وضع متدن من الفقر واليأس الشديد. الفقر يساعد ويثري الحياة. اما الغنى فانه يقتل ويدمر (تبدو هذه الفكرة صادمة لعلماء الاجتماع). دائما لدي احساس اني من الفاشلين. كنت منجذبا الى الذين يشبهونني، الفاشلون لديهم ثراء تخيلي. يرممون بالاحلام خواءهم الوجودي، مختلقين باستمرار حيوات اخرى. أعدّ نفسي كارثة. اناني وغضوب، وكذاب. تقريبا انا كل هؤلاء.عن الحب آخر صورة ستصاحبني في مماتي ستكون بالتأكيد لحبي الاول. الحب بالمعنى المطلق، القوي، يفقد البشر داخل تجارب الحب المؤلم اقنتعهم. نكتشف ضعفهم. من جهة اخرى الرجل والمرأة يحتاجان دائما الى الحب، العيش بالحب ومن اجل الحب. يتابع ميلر: انظر الى اللوحة المعلقة على الحائط: لا ينبغي للحب ان يستجدى بل أن ينتزع.. انها لهيرمان هسه. بالجراح اغلقنا الدائرة. جراح الحب، وجراح الكائن، وجراح الحبر.
ايام المجاعة يعترف ميلر انه كان يضع قائمة باسماء اصدقائه ويقول: هناك سبعة ايام في الاسبوع، ينبغي العثور على اربعة عشر صديقا.. هذا ما كان يقوم به ميلر بمهارة عالية! كانت لدي مائدتي. عند هذا او ذاك. وبالمقابل أصبح بهلوانا.. أنظف البيت. أتملق سيدته. أروي الحكايات. في باريس طبقت نظاماً آخر : اتسكع بلا هدف، مكتئب وجائع، ماذا افعل؟ اجلس في مقهى رصيف، واطلب فطورا كاملا. وليس معي فرنك واحد. ولكي اخدع شكوك النادل اطلب فطورا ثانيا. يحل منصف النهار ويحل معه الغداء. يمر صديق فأناديه: هل تشرب نخبا؟ يجلس ونتحدث، ثم أطلب طعاما لي وله، اعتذر للذهاب للحمام، واهرب. ولا يغضب الاصدقاء، لأنهم يعرفون انني لا استطيع التصرف بطريقة مختلفة. اناييس نن كانت واحدة من هؤلاء الاصدقاء. كانت رفيقة كريمة جدا.عن الحياة والموت - أعتقد انني لم اعش حياة فردية، بل عشت حياة متعددة، حيواتي ذابت في حيوات الآخرين. - في حياتك القادمة ماذا سيكون اختيارك؟، يسأل فريبوس.- لا اريد العودة. هذا يكفي. هذه دورتي الاخيرة.- انت تحب الحياة؟ - نعم - يجيب ميلر - غير ان الارض بالنسبة لي جحيم. هناك ستكون افضل.- هناك اين؟ - اجهل اين. سأعرف عما قريب. وقد لا اعرف. انا عجوز وسأموت قريبا، انتظر قيامتي الشخصية، بعد الموت لغز، لكن لدي انطباع ان الامور ستكون جميلة هناك في الجانب الآخر. انه هنري ميلر، الكاتب الملعون، الذي زعزع وتمرد على الاخلاق، الصعلوك المتشرد من شارع الى شارع، صاحب كدار السرطان، الصلب الوردي، اعمدة الماروسي... وغيرها. هل تتقاطع حياة هنري ميلر مع روائي لم يفارق مخيلتي - بعد قراءة هذا الكتاب الشيق والمثير بجرأته - اسمه محمد شكري بشكل او بآخر.
* كاتبة أردنية