lundi 4 juin 2007

راهن القصة المغربية الجديدة بين التقليد والتجديد

يقول يوسف إدريس في مقالة له بعنوان ( نحن والتجديد في الفن) (( لقد عانيت شخصيا معاناة هائلة فى سبيل أن أمتلك صوتى الخاص ، وأنت إن لم تؤت قدرا كبيرا من الوعي فمن الممكن أن تقضي عمرك كله ، وتعتقد انك تبتكر وتخلق ، إن اكتشافك رؤيتك الخاصة هو المعجزة ، لو تحققت ، ومن المخجل لكتاب في القرن 20-21 أن يصدروا عن مفهوم القرن 19 للقصة ((

يشغلني التفكير في القصة وربما يستهلك مني طاقة مضافة، تضيع بين رجلي هذا السير الأعمى في اتجاه قصة تتجاوز واقعها القصصي ومنجزها الافتراضي، هل من حقنا في هذه اللحظة التاريخية أن ندعي أن القصة المغربية اليوم تعيش ازدهارها أم أنها تعيش فوضاها؟ هل بأصواتها المتنوعة المصرة على فرض وجودها، بالقيمة الجمالية والفنية لمنجزها الحالي. ؟ أم أن المحاولات التجريبية الفريدة والمعدودة على أطراف الأصابع هي من تفرض علينا اليوم مثل هذه الوقفة التأملية التي أطلقنا عليها " راهن القصة بين التقليد والتجريب" أتذكر الآن مغامرة إميلا زولا حينما كتب كتابه النظري الطليعي "الرواية التجريبية" متأثرا بالثورة العلمية المحيطة به. هل كان إميل زولا في حاجة إلى سند نظري ليضيء أعماله التي أدخلت العالم عصر السرد البصري. هل كان ميلان كونديرا في حاجة إلى سند نظري وتحليل لفن الرواية الأوربية على الخصوص؟ لم يكونا أبدا في حاجة لمثل هذه الاضاءات النظرية لولا أنهما كانا يحسان بتلك الظلمة الجاثمة على منجزهما السردي وتلك الحواجز المانعة لاختراقاتهما الفنية ومشاغباتهما الأسلوبية في حوض سباحة سردية راكدة.
القصة التقليدية هي تلك التي تكتب المعنى السائد أما التجريبية فهي التي تبحث عن اللامعنى المتجدد على الدوام ولعل هذا ما يفسر عظمة قصص وخسف قصص أخرى.
القصة التقليدية هي مرحلة ماضوية بطبعها، لأنها تمارين مبتدئين أو محترفين يكررون قوالب تابثة كما الأرض عند الفلكيين القدماء. كم بقينا ننتظر حتى يتحطم صنم هذه القناعة الجامدة. أما القصة التجريبية فتتجاوز التاريخ وحدوده الجغرافية، تخرج من التاريخ لترسم معالمها وآفاقها الفنية والجمالية. وكم سننتظر لنقتنع أن القصة القصيرة لم تخلق إلا في لحظة تجريبية، حاول خلالها قصاص ما أن يجرب حياكة لغته وأسلوبه بكيمياء الحياة بقشورها وبواطنها، بهنيهاتها المتوحدة بجوهر الانسان، بهوائها المخرب للعالم. لا يمكن لقصة تخرج من حواشي النسيان إلا أن تكون مفتوحة على المستقبل. وغير صادق من يقول أن القصة القصيرة اليوم تجريبية وغذا تقليدية. الصيرورة التاريخية لا ترحم الابداع، هذا كلام باطل أريد به حق. الحق أن فوينطس وكورطازار وبورخيس وغيرهم سيبقوا فريدين بتجريبيتهم القصصية ولن تأخذ منهم الصيرورة الزمنية لا حق ولا باطل، لأن التجريب هو باطل الأباطيل، وكتاب الرمل الذي سنبحث نحن عنه في جميع مكتبات العالم ولن نجده إلا قصصا وهمية عن مخلوقات تجهز على القوالب والأعراف، تخرب أرصدة اللغة، لتبني للشارد، للعابر، للتفاصيل، للهامشي موطنا جديدا. بلا جوازات سفر أو تأشيرات.
إن مأزق الابداع والفكر بصفة عامة أنه يقرأ بأحكام مسبقة وجاهزة تؤثر بالسلب على عملية القراءة وبالتالي يمحى النص الأصلي وينغلق على الانفتاح من جديد. الأمر شبيه بموقف سلبي اتجاه مدينة سمعت بعض زائريها يلعنونها، لكن بمجرد زيارتك لها يتفكك الموقف ويتحول إلى إعجاب شديد. إن في حب الاستكشاف ومناطحة القصة التجريبية بغموضها واجتراحاتها الجديدة يكمن مفتاح كنزها، القصة التقليدية تمنحك كل شيء ولا تترك لك شيئا لأن إشباعها يساوي جوعها. وهو الموقف الذي تخرج به في النهاية أنها لم تمنحك أي شيء جديد. القصة الجديدة بدل مصطلح التجريبية هي من تمنحك حياة جديدة لأنها بكل جمال قراءة الموتى، للأحياء، مقبرة الأسرار، للقارئ المختلف، الجواب للآفاق.
لكن للأسف، وبمرارة أقول أن هذا القارئ القرين عزيز المنال، اليوم. ونحن – معشر الكتاب – وراءنا خمسة عشر قرنا من اللغة والقراءة ونحاول اليوم أن نجد قارئا نوعيا، كان من المفترض أن يكون لكل قاص ومبدع مريدون بالآلاف إن لم أقل بالملايين وسيأتي يوم والحال على ما هو عليه، سنبقى نكتب قصصا لن يقبل عليها أحد، ليتحول القصاصون الجدد إلى كائنات تكتب قصصا في السر وتقرأ في السر خشية أن يفتضح أمرها ويشيع سرها بين الناس. فأنا لا أضمن في المستقبل ،بأي شيء سينعتون، ولا بأي شيء سيرجمون.
القصة الجديدة تهمة، لأنها تقترف في عصر محو القراءة و الحقيقة والجمال.


سعيد بوكرامي الصالون الأدبي

Aucun commentaire: